الملحمة المستحيلة (كتاب)
نموذج من النص
هل سجل الحفريات دليل على التطور؟
عنوان الإشكالية يطرح سؤالا بدهيًّا يتعلق باستعراض كفاءة الأحافير كدليل على السلف المشترك، وبالتالي على صحة الاعتقاد في التطور الدارويني ككل، والإجابة عليه كفيلة وحدها بتحديد مصير الاستناد إلى تلك الدلالة.
إنَّ الإجابة عن هذا السؤال يمكن توضيحها بمثال بسيط للغاية؛ لنفرض أننا وجدنا أحفورة لكائن ما، فإن الحقيقة الوحيدة التي نستطيع تأكيدها على وجه اليقين من خلال رصد تلك الأحفورة هي أنها كانت لكائن حي –مات ودفن– في هذا المكان، فيما عدا ذلك لا توجد أيّة وسيلة لدى أيٍّ من العلماء تؤكد يقينا أن هذه العظام التي وجدت مدفونة تمثل سلفا أو جدًّا لأى كائن حي آخر بمجرد رصد بعض التشابهات بينهما؛ لأنه فضلا عن استحالة تأكيد افتراضية السلف المزعوم تلك، فإن التشابهات المورفولوجية (التشريحية/الهيكلية) التي يُستند عليها في تأكيد مدى قرابة الأحافير لا تدل حتما على أي قرابة مزعومة، وهذه الإشكالية يدركها أنصار التطور جيدا، وإلا لأصبح هذا الذئب الأسترالي الجرابي قريبا من الدرجة الأولى لنظيره الذئب الرمادي المشيمي وفقا لهذا التطابق المذهل في المورفولوجي.
لكن الحقيقة أن الذئب الرمادي هو أقرب تطوريا للفيل والأرنب والإنسان، من هذا الذئب الجرابي، الذي يعتبر هو الآخر أكثر قرابة للكنغر والكوالا والسنجاب الأسترالي الطائر، عن مدى قرابته للذئب الرمادي التوأم التشريحي له. وذلك وفقا لما رسمته شجرة التطور؛ حيث افترضت انفصالا تطوريًّا بين أسلاف كل من الجرابيات والمشيميات في فجر نشوء الثدييات، منذ ما يقارب 160 مليون سنة مضت، وتكرر رصد مثل هذه التوائم المورفولوجية بين الجرابيات والمشيميات بنسبة عاتية، مقارنة بعدد الجرابيات المعدود على سطح كوكبنا.
تلك التوائم المتماثلة التي لا يمكن ربطها بسلف مشترك –بمعايير التطور–لم تقتصر على فئتي الجرابيات والمشيميات فحسب، بل تم رصدها على كافة المستويات التصنيفية داخل الممالك الأحيائية، ورصدت أيضا تشابهات بالغة التعقيد على النطاق الجزيئي.
- أحمد يحيى، الملحمة المستحيلة: إشكاليات الاستدلال بسجل الحفريات على التطور، ص17-19.