تطور كبروي
يشير "التطور الكبروي" للتطور عند أو فوق مستوى النوع مثل نشأة تصاميم جديدة (الريش، الفقاريات من اللافقاريات، الفك لدى السمك)، وتغيرات كبيرة (زيادة حجم الدماغ لدى الثدييات) وانتقالات كبيرة (نشأة الشعب). التطور الكبروي أحد صنفين من الظاهرة التطورية، والآخر هو التطور الصغروي الذي يشير إلى أحداث وعمليات تحت مستوى النوع، مثل تغيرات تواتر الجينات في جماعة من الكائنات الحية.
أحدث التطور الكبروي جدلًا هائلًا منذ أيام داروين. ففي حين ينظر التطوروين إلى التطور الكبروي على أنه مجرد امتداد للتطور الصغروي لكن على مستوى أكبر. يرى البعض أنه منفصل عن التطور الصغروي، وخاصة أنصار التصميم الذكي الذي يقرون بصحة التطور الصغروي، لكن يرفضون أن الإبداع في الطبيعة ناتج عن عمليات عشوائية عمياء (أي التطور الكبروي)، إضافة إلى بعض علماء البيولوجيا، طبعًا دون الإقرار بإبداع الله في خلقه.
تشارلز داروين والملتزمين بالنظرية التركيبية الحديثة لا يرون فرقًا بين التطور الكبروي والصغروي سوى مستوى عملهما. في حين يرى علماء بيولوجيا آخرون مثل غولد Gould وشمالهاوسن Schmalhausen وستانلي Stanley ووادينغتون Waddington، أن التطور الصغروي والكبروي عمليتان مختلفتان تمامًا. يعتمد الرأي الأول على عمودين رئيسيين: التدرجية gradualism وصدارة الانتقاء الطبيعي. التدرجية هي رؤية التطور كتراكم بطيء لتغيرات طفيفة، ومرور الجماعة المتطورة عبر جميع المراحل الوسيطة، وهم يرون الانتقاء الطبيعي سببًا لهذا التغير. فهذا الراي أكثر من مجرد بقاء الأصلح بالانتقاء الطبيعي، بل الاعتقاد بأنه يوجه التغيرات في تواتر الجينات، وبمستويات أعلى، يوجه تطور تصاميم جديدة وانتقالات جديدة وغيرها. فغرض داروين الأول لنشره كتابه أصل الأنواع كان لإثبات أن الانتقاء الطبيعي هو العامل الأساسي للتغير في الانحدار مع التعديل (النشوء والارتقاء). فالخلاف ليس على الانتقاء الطبيعي، بل على قدرته في الطبيعة، مع منحه قدرة هائلة من قبل داروين وأنصاره.
التدرجية
بالنسبة للعمود الأول، التدرجية، يعترف أحد أبرز علماء التطور المعاصرين إرنست ماير في كتابه "ما هو التطور" أن أحد أسباب الجدل حول التطور الكبروي هو عدم رؤية الانتقالات التدريجية في السجل الأحفوري أو حتى بين الأحياء biota الحالية، بل إن الانقطاعات "متواترة بشكل هائل". فإذا كان التطور تدرجيًا ومستمرًا، فالمتوقع إيجاد انتقالات بين الأصنوفات. لكن ليس هناك وسائط بين الحيتان والثدييات البرية، ولا بين الزواحف والثدييات ولا الزواحف والطيور، ولا النباتات المزهرة وأقاربها. بل إن كل الشعب الحيوانية مفصولة عن الشعب الأخرى بفجوة هائلة. كذلك يظهر السجل الأحفوري انقاطاعات هائلة، مع ظهور الأنواع الجديدة فجأة، وهو ما لاحظه أيضًا غولد ودفعه لوضع نظريته التوازن اللامتقطع حيث رأى أنه بمجرد ظهور النوع يمر بفترة ركود stasis إلى لحظة اختفائه.
صدارة الانتقاء الطبيعي
أما بالنسبة للعمود الثاني، صدارة الانتقاء الطبيعي، فإن الأدلة المتماسكة لنظرية التعديل بالانتقاء الطبيعي مقصورة على التطور المكروي، مثل حالات تهجين البشر للحيوانات والنباتات. لكن الأدلة على أن الانتقاء الطبيعي يوجه الانتقالات الكبرى بين الأنواع وينشأ تصاميم جديدة فهي مقصورة على مد أدلة التطور الصغروي.[١]