تفسير ظهور الانواع الجديدة باستخدام التصميم الذكيSpeciation and Intelligent Design
التصميم الذكي أو التصميم الرشيد، وهو يدعي بأن "بعض الميزات في الكونْ والكائنات الحية لا يُمكن تفسيرها إلا بمسبب ذكي، وليس بمسبب غير موجه كالاصطفاء الطبيعي ". هذا المفهوم عبارة عن شكل معاصر للدليل الغائي لوجود الله، يُقدم على أنه قائم على أدلة علمية بدلاً من الأفكار الدينية. وتم تعديله لتجنب الحديث حول ماهية المصمم أو طبيعته ، وهي بنظر مؤيديها نظرية علمية تقف على قدم المساواة أو تتفوق على النظريات الحالية التي تتعلق بالتطور وأصل الحياة. مُنظروا فكرة التصميم الذكي المعاصرة مرتبطون بمعهد دسكفري وهي منظمة أمريكية غير ربحية وبيت خبرة مقرها سياتل واشنطن.
ترتكز فكرة التصميم الذكي على مفاهيم أساسية وهي التعقيدات المتخصصة والتعقيدات غير القابلة للاختزال والتي تدعي بأن هناك أنظمة بيولوجية معقدة بشكل معين بحيث لا يمكن تكونها عبر طرق طبيعية عشوائية، وهناك أيضا مفهوم التوافق الدقيق للكون الذي يدعي بأن الكون قد صُقل بعناية ليسمح بظهور الحياة على الأرض.
أثار التصميم الذكي جدلاً في المجتمع العلمي بسبب محاولة أنصاره إدخاله إلى التعليم المدرسي، إضافة لجذبه عدداً من العلماء والفلاسفة منهم الفيلسوف أنطوني فلو الذي أعلن تأييده للتصميم الذكي وأن هناك مصمماً ذكياً يقف خلف التطور، ورجوعه عن الإلحاد.
بداية الفكرة
في عام 1859 أصدر عالم الأحياء تشارلز داروين كتابه "أصل الأنواع" الذي سيصبح أشهر الكتب التي تحاول تفسير نشأة الكائنات الحية وأكثرها إثارة للجدل، يضع داروين في كتابه نظرية تنص على أن جميع الكائنات الحية قد تطورت من كائنات حية أخرى أقل تعقيداً، حيث أن الطفرات الوراثية والانتخاب الطبيعي قد عملا سوياً على إنشاء كائنات أكثر تطوراً من اسلافها.
في ذاك الوقت لم يعرف العلماء عن الخلية سوى أنها بقعة بسيطة من البروتوبلازم تشبه قطعة الجيلي ولم يتغير هذا المفهوم حتى خمسينات القرن العشرين، لما تم استكشاف دنا الخلية للمرة الاولى من خلال المجهر الالكتروني، رؤية الخلية بشكل مكبر قد أثار ثورة في علم الاحياء حيث اكتشف العلماء بأن هناك عالم كامل داخل الخلية وإنها أبعد ما تكون عن البساطة، فلو كان العلماء في ذلك الوقت يظنون ان الخلية هي بدرجة تعقيد سيارة مثلا فإن درجة التعقيد المعروفة حاليا في العلم الحديث عن الخلية هي بدرجة تعقيد أكبر من المجرة (حسب وصف بيرلنسكي).
لذا بدأ العديد من العلماء بالتشكيك فيما كان هذا التعقيد الهائل قد تم بناؤهُ بمحض الصدفة فقط، بل يبدو أنه تم تصميمه عن عمد من قبل مصمم ذكي خارق، على سبيل المثال، إذا وجد أحد علماء الآثار تمثالاً مصنوعاً من الحجر في حقل، سيستنتج أن التمثال قد صُنع، لأن الملامح التي يحملها التمثال تؤكد ان هناك شخصاً ذكياً قام بإنشائه ولا نذهب لافتراض أن العوامل المناخية (مثل الأمطار) قامت بنحته ليصبح بهذا الشكل. لكننا أيضاً لن نبرر بنفس الادعاء إذا وجدنا قطعة صخرية عشوائية الشكل ومن نفس الحجم. وهنا نستطيع أن نقول أن التمثال يحمل "علامات ذكاء" على عكس قطعة الحجر عشوائية الشكل، لذا فان مؤيدي التصميم الذكي يعملون على البحث عن الأنظمة البيولوجية التي تحمل علامات ذكاء تدل على أنها لم تنشأ عن محض الصدفة، ومثل هذه الأنظمة ما يسموه "تعقيد لا اختزالي" و"التعقيدات المتخصصة".
المفهوم
ناقش الفلاسفة مطولاً قضية أن التعقيد الموجود في الطبيعة يدل على وجود مصمم وخالق طبيعي أو فوق الطبيعي. مثل هذه النقاشات نجدها في الفلسفة الإغريقية حول وجود خالق طبيعي. وهنا برز مصطلح فلسفي هو اللوغوس، الذي يشير إلى ترتيب ضمني في بنية الكون. يُعزى هذا المصطلح أساساً لهيراكليتوس في القرن الخامس قبل الميلاد، حيث قام بشرحه في محاضراته. في القرن الرابع قبل الميلاد، وضع أفلاطون ما يدعوه "demiurge" إله طبيعي للحكمة العليا والذكاء العلوي كخالق للكون في عمله الشهير طيمايوس، وتحدث أرسطو أيضاً ومطولاً عن فكرة الخالق للكون وغالباً ما كان يشير إليه بالمحرك البدائي وذلك في كتابه الميتافيزيقا. أما شيشرون فهو يذكر في أعماله "في طبيعة الآلهة" (عام 45 ق.م)، أن "القوة الإلهية موجودة في مبدأ العقل الذي يسيطر على كامل الطبيعة" هذا الأسلوب في الاحتجاج والاستنتاج وتطبيقه للوصول لإثبات وجود خالق فوق الطبيعي عرف لاحقاً باسم الدليل الغائي لوجود الله. والشكل الأكثر أهمية لهذه الحجة نجدها في اعمال توما الأكويني، فموضوع التصميم أصبح خامس براهين الأكويني الخمسة لإثبات وجود الله الخالق.